أشتدّ النقاش في الاونة الاخيرة بين المثقفين والوطنيين الكرد ومختلف الشرائح حول ضرورة القيام ببعض الاعمال من اجل القضية الكردية في سورية ، وذلك نتيجة حساسية المرحلة والتغيرات الحاصلة في العالم والمنطقة والفرصة التاريخية الموجودة في هذه المرحلة. ولا بد من النضال والقيام بالعمل الجاد ولم شمل الحركة وتوحيد الصفوف وترتيب البيت الكردي ...الخ من جمل واقاويل وطروحات. اذا نظرنا الى هذه الطروحات من الناحية المبدئية فلا غبار عليها وهي طروحات جميلة وواقعية وكان لا بد من تحقيقها والخوض فيها، ليس الان بل قبل هذا الوقت بكثير، وقد تاخر وقت الخوض فيها اكثر من اللازم من جهة خطو الخطوات في هذا المجال .
هذه الطروحات تطرحها الحركة الكردية بكل اطيافها احزابا ومنظمات ولجاناً حقوقية، ويرون كلهم انه لا بد من وجود مرجعية كردية في جنوب غربي كردستان من اجل ابداء المزيد من القدرة على التفاعل والتعامل الصحيح مع الاحداث والرد عليها بشكل يحقق مطالب شعبنا الكردي، ولكن اين تكمن العلة من هذا الطروحات والزمن يمر والوحدة لا تتحقق او لا يتم ترتيب البيت بل على العكس، تحدث انشقاقات اكثر وتظهر منظمات وجمعيات عديدة وجديدة تدعي كلها إنها تمثل الحقيقة، او تمثل الصواب في تمثيلها لحركة الشعب الكردي.
وبات شعبنا يضيع بين هذا العدد الغفير من التنظيمات الطالعة، لدرجة ان الكرد باتوا لا يعرفون اسماء كل التنظيمات ماعدا بعض الاسماء المتبقية في فكرهم منذ "الزمن القديم" وليس من باب عمل هذه الأسماء المتبقية الدؤوب الذي يفرض نفسه على الواقع. وهذا الوضع صحيح من اجل المعارضة العربية في سوريا وحتى الاحزاب التي تشمل (الجبهة الوطنية التقدمية في سورية) حيث لا يعرف الكثيرين من المشاركين في هذه "التجمعات" او "الجبهات" عن ماهيتها وعند السؤال عن ذلك، يطرحون اسماء غريبة وحتى اسماء بعض التنظيمات التي ليست في سوريا، وربما في بلد عربي آخر، هذا كما ظهر في احصاء قامت بها (سوريا نيوز) حينما سئلت عن احزاب (الجبهة التقدمية في سوريا) ولم يعرف أولئك المستطلعة آرائهم اي شيء منها: ماهيتها و برامجها السياسية...الخ .
كل هذا يٌظهر عمق الازمة التي تعيشها الواقع التنظيمي والحزبوي في سوريا سواء من حيث الاحزاب الكردية او من حيث الاحزاب العربية أو من حيث الأحزاب المشاركة في السلطة تحت اسم (الجبهة التقدمية). وخلاصة القول أن الشارع الكردي و السوري بعيد عن هذه المسائل او انه لا يهتم بها او ان الاحزاب لم تتمكن من طرح طروحاتها وبرامجها على الشارع، والأحتكام للشعب لكي يكون هذا الأخير هو الفصل والحكم في الحكم عليها.
فمن ناحية هذه الطرحات التي تدعي "الوحدة" ولكنها عاجزة عن تحقيق اي خطوات منها، او تحقيقها بشكل هش غير قادر على الرد ومواجهة مهام ومتطلبات المرحلة، وذلك بنظرنا يعود الى اسباب عدة وهي :
ان هذه الطروحات هي عبارة عن طروحات خيالية بعيدة عن الواقع ومتطلبات الواقعية للجماهير الكردية ولا امكانيات لها في التطبيق العملي لانها لا تراعي الواقع العملي. مجرد طرح عاطفي يتاثر بها الكردي ولا تحضر الارضية العملية من اجل هذا الطرح، وعندما ينظر هذا الكردي/المواطن الى الواقع ويرى هذا التشتت والانقسام يتاثر سلبيا ويدعي انه لا بد من الوحدة وبدونها لا يمكن الخروج من المازق وهذا ما طرحته الكثير من الشخصيات الكردية في مختلف المراحل التاريخية، ولكن دون ان يتم تحضير مستلزمات العملية ودراستها الموضوعية وتبقى المحاولة مجرد ارهاص وشكوى من الواقع يصعب تحقيقها، لانه لا توجد قوة عمل قادرة على تحقيقها وتفعيلها، حيث تدخل في النسيان بعد الكثير من الحديث .
طرح الافكار الوحدوية بدون اخذ واقع الاحزاب والحركات بعين الاعتبار ، رغم ان مثل هذه الافكار تتطلب تقديم المرونة في التعامل وحتى التخلي عن بعض التحفظات، لانه في المجال العملي سيكلف المرء الكثير لان الحركات والاشخاص لها افكار وتوجهات وبرامج تختلف عن بعضها البعض . الرغبات والطروحات لا تناسب المصالح الكردستانية من حيث القوى المتحكمة والمهيمنة في ساحات كردستان الاخرى، وهذا الذي يلعب دوراً كبيراً في عدم نجاح تخطي هذه الطروحات حاجز القول، وذلك بتقديم الكثير من الحجج الغير الواقعية . تدخل الدولة او الدول الاقليمية في مثل هذه المسائل بشكل مباشر او غير مباشر واستخدام الكثير من الاساليب في سبيل عدم انجاح مثل هذه الخطوات . عدم التحضير العملي لمثل هذه الخطوات لان الطرح سهل ولكن الخطوات اللاحقة للطرح تتطلب العمل وتقديم الجهود والتضحيات في سبيل تحقيق ذلك، وهذا ما يناقض مصالح الكثيرين وعند الممارسة العملية يتخلى البعض عن هذا الطرح . ضعف الاصرار في الطرح فعندما تطرح هذه الطروح، ويقوم البعض بخطو بعض الخطوات ويجدون بعض الصعوبة، تتوهن العزائم،و تخيب الامال ويتراجع وينتقل صاحب المبادرة الى الطرح المضاد.
واذا ما قمنا بعد الاسباب والحجج فهي كثيرة وربما لا يكفي مقال واحد على تحليل هذه القضية ولكن الامر الاساسي والذي لا بد منه هو ان كل طرح او نظرية اذا لم ترافق بممارسة عملية فلا يمكن ان يتحقق لها فرص النجاح والعكس صحيح كل الممارسات العملية التي لا تستند الى النظرية الواقعية العلمية ـ دعنا من النجاح ـ فربما قد تسيء الى القضية التي يتم النضال من اجلها وتنعكس سلبيا وتدخل في مجال الفوضوية وفتح جروح في الجسد الكردي لا يمكن ان يدمل لقرون.
لذلك، يتطلب منا ان نطرح افكارنا بعد تحليل الواقع والمرحلة واخذ جميع جوانبها وخصائصها بعين الأعتبار واستناداً الى الواقع المعاش وحقيقة المتغيرات التي تعيشها العالم والمنطقة وربط الطرح بحقيقة التغير والموضوعية دون الدخول في الطروحات الخيالية او الاعتماد على الرغبات او المشاعر والعواطف بل استنادا على المتغيرات والديناميكيات الموجودة في المجتمع الكردي في جنوب غربي كردستان وسوريا من جهة والجاهزية لمتطلبات الممارسة العملية وتحمل عواقب ذلك وحساب الحساب للقوى التي ستعمل على عرقلة مثل هذه الخطوات واتخاذ تدابيرها واحتياطاتها. ولنكن بقدر ما نكون اصحاب الطروحات ان نكون عمليين ومضحين في سبيل تحقيق تلك الطروحات وعندها سنكون قريبين اكثر من تحقيق المهام التي نناضل من اجلها منذ عقود من السنين .